الأربعاء، 9 يناير 2013


صور المسرح السياسى فى مصر


 اعداد / كريم الحسينى
تجدر الإشارة إلى أنه قد تعددت صور المعالجات المسرحية السياسية التحريضية التي غزت مسرحنا المصري خلال النصف الثاني من القرن العشرين وأشكالها فهناك :


(المعالجات السياسية التسجيلية)، وهي التي اتخذت من التسجيلية أسلوباً فنياً عند معالجة قضاياها، من خلال الاعتماد على الوثائق التاريخية، والوثائق السياسية، والسجلات، والتصريحات، والبيانات الإحصائية، وغيرها.


الأمر الذي يستوجب من المخرج المسرحي - عند إخراجها فوق خشبة المسرح - التوسل بوسائل المسرح التسجيلي وتقنياته الشهيرة كالإعلانات، والشرائح الفيلمية، وفنون الممثل الشامل، وغيرها من التقنيات المغايرة المستحدثة على ساحة مسرحنا المصري، وذلك على النحو الذي عرفناه عند المخرج المسرحي الألماني الشهير إرفين بيسكاتور
Erwin Piscator (1893-1966م) وتلامذته من بعده.


ومن أبرز العروض التي تجسدت فيها هذه التقنيات فوق خشبة المسرح، عروض بيسكاتور مثل (التحقيق)، و(النائب) وغيرهما، وعروض بيتربروك Peter Brook (1925- ) في إنجلترا مثل (US) أو (نحن والولايات المتحدة)، و(مارا - صاد) () وغيرهما، فيما اصطلح على تسميته بـ (المسرح التسجيلي).



وهناك (المعالجات السياسية الكباريهاتية)، وهي التي تتخذ من شكل الريفيو الرحب المتحرر أسلوباً فنياً عند معالجة الأفكار والموضوعات السياسية؛ الأمر الذي يستدعي من المخرج المسرحي - عند إخراجها وتقديمها فوق خشبة المسرح - التوسل بفنون الكباريه من موسيقى، ورقص، ونمر، وفقرات، واسكتشات، وأضواء، وألوان، وغيرها.

وبلورة جو التمسرح عبر فضح أصول اللعبة المسرحية، باعتباره استعارة تجسيدية لفضح الواقع المعيش وتعريته، من خلال تقنيات المسرح داخل مسرح، واللجوء للمبالغات الكاريكاتورية الهازلة، والمزج بين الكوميديا والتراجيديا، واختراق الحائط الرابع وكسر حاجز الإيهام، وغيرها من الوسائل

على نحو ماعرفناه في عروض مسرح الطلبة في فرنسا، وعروض مسرح الشوك في سوريا ولبنان، وعروض المسرح المصري مثل (العسل عسل والبصل بصل) للمخرج سمير العصفوري، و(اللعبة) للمخرج منصور محمد، وثلاثية (مساء الخير يا مصر) للمخرج ناصر عبد المنعم وغيرها، فيما اصطلح على تسميته بمسرح (الكباريه السياسي).


وظهر مسرح (القهوة) باعتباره مسرحاً سياسياً تحريضياً، يذهب حيثما يتواجد جمهوره ولا ينتظر أن يأتي إليه الجمهور، بحيث ينزل ليشارك في حركة المجتمع عن إيمان عميق بأن المسرح أصبح مؤسسة شعبية، يتوجه حيث يتواجد رواده، فكان أقرب الأشكال المسرحية السياسية لشكل مسرح (الصحف الحية)؛ الأمر الذي يستوجب على المخرج استبعاد البهرجة الزائدة من ديكورات وأزياء وإضاءة وغيرها، والتركيز على المغزي السياسي التحريضي بإمكانات بسيطة لا تشغل المشاهد عن المعنى السياسي في العمل، على نحو ما قدمه المخرج المصري في عرض (قهوة المعلم أبو الهول) من إخراج محمد فاضل.



وهناك (المعالجات السياسية الملحمية)، وهي التي اتخذت أسلوباً ملحمياً عند معالجة أطروحاتها، باعتباره الأسلوب الأكثر مناسبة من وجهة نظر رواده – على وجه الخصوص برتولت بريخت Bertold Brecht (1898-1956م) - في دفع المشاهد للمشاركة الإدراكية الوجدانيةز


مما يستلزم البعد عن خلق صورة فنية مكتملة، حتى يصبح المشاهد في وضع الحياد حتى نهاية العرض، لكي يتخذ موقفاً ما تجاه ما يعرض عليه، الأمر الذي يفرض على المخرج المسرحي عند تقديم عروضه فوق خشبة المسرح، التوسل بمفردات المسرح الملحمي وعناصره، تلك التي تستند على تقنيات نظرية التغريب التي تعمد إلى تقديم الشئ المألوف بطريقة غير مألوفة، بحيث تسود عناصر التغريب كل مفردات العرض المسرحي، تحقيقاً للهدف الإدراكي الذي يسعى إليه المخرج.


وقد تجسدت هذه التقنيات فوق خشبات المسرح العالمي والمصري على النحو الذي رأيناه في العروض المسرحية التي أخرجها بريخت بنفسه مثل (الأم شجاعة) وغيرها، وعروض المسرح المصري مثل (الإنسان الطيب) و(دائرة الطباشير القوقازية) من إخراج سعد أردش، فيما اصطلح على تسميته بـ(المسرح الملحمي).