الأربعاء، 9 يناير 2013


الطريق إلى الفوضى


 كتبها / مصطفى بكرى

الخوف يتسرب إلى النفوس، القلق، الإحساس بعدم الأمان من الحاضر أو المستقبل، ضاعت ملامح الطريق، الناس تتساءل فى كل مكان، هل أخطأنا، كثير من الذين منحوا أصواتهم للإخوان وللرئيس أصبحوا نادمين، البعض راح يقارن بين نظام سابق كان هو «السيئ»، ونظام حالى أصبح هو «الأسوأ»، المصريون حائرون، وينتظرون لحظة قادمة لا يعرفون ملامحها!
بعض الذين «أهانوا» الجيش، وهتفوا بسقوط «المجلس العسكرى»، جاءوا يتساءلون: وهل سيتركون الدولة لتسقط وتضيع، نسوا شعارات بذيئة كتبوها على الحوائط والجدران، تطالب بإعدام المشير ومحاكمة الرجال الذين حموا الثورة ودافعوا عنها، وظلوا مخلصين لرسالتهم وحيادهم حتى اللحظة الأخيرة!!
غاب الضمير، وغاب القانون، وأصبح رجال القضاء مستهدفين بالحصار وبالإهانة، وبالاعتداء اللفظى والبدنى كما حدث مؤخراً مع المستشار أحمد الزند وغيره، فصّلوا «مادة» فى دستورهم لإبعاد المستشارة تهانى الجبالى والتنكيل بها، أصبح سدنة العدل يبحثون عن العدل، لقد استبيحت الثوابت والمحرمات، وأصبحنا أمام دولة الفوضى وشريعة الغاب.
الأزمة كشفت الوجوه، أحدثت فرزاً جذرياً بين الناس، لم يعد هناك مكان لأصحاب المواقف الرمادية، إما أنك «مع»، وإما أنك «ضد»، سقط كثير من «المدعين»، ظهروا على حقيقتهم، لا هم ثوار، ولا ديمقراطيون، ولا حتى رجال عقلانيون، إنهم «مسخ» مجرد أداة، ألسنة تنطق كما يراد لها، توظف عصارة فكرها لحساب ادعاءاتها الكاذبة، هؤلاء كانوا يخدعوننا فى أوقات سابقة، وأصبحوا الآن «على عينك يا تاجر»!!
عندما يعتدى على الثوابت، وتستباح المحرمات، لا تحدثنى عن شعارات أو تبريرات فكلها كاذبة، ادعاءات رخيصة، يسعون من خلالها إلى الضحك مجدداً على عقول «المخدوعين والأميين، منطق الأشياء يقول شيئاً مختلفاً، ولكن هناك من يرى أن المعركة ليست بهدف البناء، وإنما بهدف «التمكين»، ولذلك تدك الأرض بلا رحمة، ويداس على القانون بلا تردد، إنهم فى سباق مع الزمن.
ينسى هؤلاء أو يتناسون، أنهم بذلك أعطوا المبرر للآخرين، كل يسعى إلى فرض قانونه الخاص، فينقسم المجتمع إلى مافيات وعصابات، يأكل فيها القوى الضعيف، فيدب الخوف فى نفوس البسطاء، يبحثون عن ملاذ «آمن» فلا يجدون، الشرطة لا تريد أن تتورط من جديد، والجيش يتحلى بالصبر، أصبحنا وجهاً لوجه مع «ميليشيات» العهد الجديد.
وفى الطريق إلى الفوضى، لا تسألنى عن «الصح والخطأ»، فهناك محللون يمنطقون الأشياء كما تريد، وعندما تغيب بوصلة الطريق وتتراجع الثقة فى صناع القرار، وتغيب دولة العدل والقانون، فأنت هنا أمام لحظة فارقة، ستتراجع فيها الأولويات المجتمعية، ويصبح همك هو لقمة العيش والأمان، لن أسميها «فردية ولا أنانية» لكنه الهم الطبيعى للإنسان، غابت الدولة، فأصبح لكل «فرد» قانونه ومنطقه..
الوجوه كئيبة، حالة من الإحباط تتسرب إلى النفوس، تظاهر الناس هتفوا، انطلق الإعلام يكشف ويندد، حاصروه، كما حاصروا قضاة المحكمة الدستورية، الوطن محاصر، العقول محاصرة، وحتى المشاعر والعواطف النبيلة، انقلبت فجأة إلى حقد وغل وكراهية، لقد سعوا منذ البداية إلى دفع المجتمع نحو هذا الطريق، يريدوننا أن نيأس، يقولون لنا «انسوا»، لقد أصبحت الدولة دولتنا، ودولتنا وحدنا، أمامكم خيار من اثنين، إما أن تعيشوا تابعين خانعين، وإما أن تبقوا هدفاً لنا..
يتساءل الناس فى حسرة: ولماذا أسقطنا نظام «مبارك» إذن، كنا نبغى الحرية فأصبحنا نعيش فى زمن العبودية، كنا تواقين إلى القانون والعدل، فأصبحنا نعيش فى غابة لا دستور فيها ولا قانون، كنا ساخطين على إهدار لكرامتنا، فأصبحنا الآن نعيش تحت ظل دولة «الميليشيات»، كنا نبحث عن لقمة عيش كريمة، فأصبحنا مهددين الآن، لا لقمة عيش كريمة ولا حتى ذليلة!!
اقتصاد ينهار أمام أعيننا، هروب جماعى للاستثمار وللبشر، فئة جديدة من الناس جاءت لتحتكر كل شىء، وتشترى كل شىء، إنهم رجال الاقتصاد الجدد، لا يختلفون كثيراً عن «أحمد عز» وشلته، بل هم أشد بأساً واستفزازاً، يقال لهم: الجميع ضدكم، تحذرهم من ثورة جياع قادمة، يردون بنفس منطق رجال النظام السابق، هذا شعب أمامه عقود طويلة من الزمن ليصحو من جديد، لم يعد هناك فرق بين «السُلطة والسَلطة» أصبحنا أمام شىء جديد، مخلوق مشوه، نبت شيطانى، يزحف ليهدم ما تبقى من كيان الدولة!!
قد يتساءل البعض: وهل أصبحت الفوضى، هى الخيار الوحيد، والإجابة المنطقية تقول طالما غابت الدولة وطالما أسقط القانون واستبيح محراب العدل، فكل الخيارات باتت مطروحة، ماذا تريد من نظام لا يحرك ساكناً أمام تعليق محكمة النقض ومحاكم الاستئناف جميعاً، والمحاكم الابتدائية جميعاً، والنيابة العامة فى كل أنحاء البلاد أعمالها، ناهيك عن حصار المحكمة الدستورية، وكأن شيئاً لم يحدث.. نعم، إنه منطق الاستهانة الذى حتماً سيقود إلى الفوضى العارمة..
الوطن فى خطر، وخيارنا الوحيد هو الدفاع عن كيان الدولة، عن القانون والدستور، عن أهداف ثورة سالت من أجلها دماء كثيرة، لكنها اختصرت فى نهم «الإخوان» للسلطة والاحتكار..
النخبة التى غابت عنها الرؤية منذ البداية تتحمل جزءاً كبيراً من المسئولية، لكن اللحظة قد حانت ليكفر الجميع عن أخطائهم من أجل حماية الدولة، والدفاع عن الثوابت، ووضع حد للهوان قبل أن تسود الفوضى التى لن تبقى ولن تذر!!