الثلاثاء، 5 مارس 2013

 امرأة.. بأمة!!


محمود بكري
علي مائدة طويلة في أحد فنادق القاهرة، تمدد قادة، ورؤساء وفود '57' دولة إسلامية.. وعلي مدي جلسات استمرت لساعات راح قادة الدول المشاركة في الدورة الثانية عشرة لقمة التعاون الإسلامي يتحدثون، ويتدارسون، وينظرون في القضايا الملتهبة التي تشعل قلب وأطراف الأمة الإسلامية. علي مائدة طويلة في أحد فنادق القاهرة، تمدد قادة، ورؤساء وفود '57' دولة إسلامية.. وعلي مدي جلسات استمرت لساعات راح قادة الدول المشاركة في الدورة الثانية عشرة لقمة التعاون الإسلامي يتحدثون، ويتدارسون، وينظرون في القضايا الملتهبة التي تشعل قلب وأطراف الأمة الإسلامية.
انتظرت كغيري علي مدي يومين كاملين أن يتخذ قادة الأمة من المواقف، ما يعالج آلام الأمة، ويدفعها نحو النهوض من كبوتها، خاصة أن المسلمين يعيشون أسوأ عصورهم، ضعفًا، وهوانًا، واحتلالا، وإذلالًا.. يتعرضون للذبح، وسفك الدماء، ولحروب الكراهية التي لا تتوقف، والإساء ات المتعددة لكتاب لله، ورسوله الأعظم، والمسجد الأقصي الذي لا يزال بقبضة المحتلين الصهاينة.. ولكن الانتظار تبدد علي وقع البيان الهزيل الذي صدر عن القمة، وتلاه الرئيس محمد مرسي رئيس القمة، والذي لم يقدم غير عبارات إنشائية، وجمل رنانة، لا تقدم، ولا تؤخر، وتبقي حال الأمة علي 'هوانها وعجزها'.
ذكرني ذلك الحال المخزي بسيدة حكمت مصر في منتصف القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، وهي 'شجرة الدر'، والتي حققت لمصر ودولة الخلافة، ما لم تحققه قمم عربية، وإسلامية عقدت علي مدار عقود من الزمان.
كانت 'شجرة الدر' أول وآخر امرأة تولت عرش 'مصر الإسلامية'، وأول مملوكة تجلس علي العرش، فتصير ملكة يدين لها الملايين بالولاء والطاعة بعد أن كانت 'جارية' مشتراة بالمال، يأمرها سيدها فتأتمر، وينهاها فتنتهي.
ولقد كان عهد 'شجرة الدر' حدًا فاصلا بين مرحلتين في التاريخ، فقد كانت ولايتها في نهاية عصر الدولة الأيوبية، وبداية عصر سلاطين المماليك.
في عصرها، وخلال حكمها تحقق لمصر، ولأمة العرب والمسلمين الكثير من الانتصارات التاريخية، ففي عهدها انكسر الصليبيون، وتلقوا هزائم نكراء في حملتهم الصليبية التي زحفوا فيها من فرنسا، ليستولوا علي مصر والشام.
كان لويس التاسع، ملك فرنسا قد مرض مرضًا حتي قارب علي الهلاك.. وحار الأطباء في علاجه، ولأن محنة المرض كانت بالغة المرارة، فقد أقسم بأنه إذا شفي من مرضه، فسوف يقوم علي رأس حملة صليبية عظيمة إلي المشرق، قربانًا إلي ربه، وشكرًا له أن منَّ عليه بنعمة الشفاء.
وما أن تعافي الملك لويس التاسع من مرضه، حتي راح يجمع جيشًا ليس له مثيل من قبل، فأبحر من 'مرسيليا' علي رأس ألف وثمانمائة سفينة متجهة إلي مصر.
وفي حملته استطاع الجيش الصليبي احتلال دمياط، وارتكب من المذابح وسفك الدماء وهتك المحرمات ما لم تشهده مصر في السابق، ولأن فارق الإعداد والتسليح كان كبيرًا وهائلا، فقد تراجع الجيش المصري، موليًا الأدبار أمام جبروت الجيش الصليبي.
في ظل هذه الأجواء، توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب، فأخفت 'شجرة الدر' نبأ وفاة مليكها، وزوجها، فقد كان العدو يجوس خلال الديار، وإعلان نبأ وفاته قد يشجع الصليبيين علي التوغل في البلاد، ودون قدرة علي دفعهم، ومواجهتهم.
وحين تدبرت 'شجرة الدر' الأمر، وقلبته علي كافة وجوهه، رأت أن تخفي نبأ وفاته، وحتي يتسني مقاومة الغزاة وطردهم من البلاد.
راحت 'شجرة الدر' تنفق ليلها، ونهارها، ترقب تحركات العدو في الميدان، وترسم الخطط للإيقاع به، وإحباط مساعيه دون أن تهاجمه، أو تهيئ له الأجواء لاستئناف الزحف علي بقية المدن المصرية.
لقد أطلقت فرقًا من الفدائيين، كانت مهمتها الانقضاض علي معسكر العدو علي امتداد الساحل، ليلا ونهارًا، يقتلون الجند، ويحملون عشرات، ومئات الأسري بعد تخريب منشآتهم العسكرية.
وظل الحال علي هذا النحو حتي وضعت الخطط لهزيمة الملك لويس التاسع، وحملته الصليبية، ليقدم الأمير 'ركن الدين بيبرس' علي رأس فرقة الحرس في المعركة ضد الصليبيين، ملحقًا بهم الهزيمة الساحقة، فيما ظلت 'شجرة الدر' ترقب المعركة من النافذة بقلب شجاع، حتي بلغ قتلي الصليبيين نحو الثلاثين ألفًا علي الأقل، فعاد من تبقي منهم إلي دمياط، ووقع مليكهم 'لويس التاسع' أسيرًا، فاقتيد إلي المنصورة، وأودع 'دار القاضي فخر الدين ابن لقمان' مكبلا بالحديد في قدميه.
وفي عهد 'شجرة الدر' بدأ زحف المغول من وسط آسيا علي البلاد الإسلامية للاستيلاء عليها، وإذلال شعبها، واستمر زحفهم حتي استولوا علي الكثير من البلاد الإسلامية، فتوغلوا فيها، يهتكون ويسفكون الدماء ويحطمون العروش، حتي أوشكوا أن يبلغوا حدود 'مصر' بعد أن قطعوا إليها مئات الآلاف من الأميال.
ثم كانت هزيمتهم الساحقة علي يد الجيش المصري في موقعة 'عين جالوت' بفلسطين بعد وفاة 'شجرة الدر' بأمد قليل، وهي التي كانت عدت العدة، وسلحت الجيوش ليوم المواجهة العظيم.
وفي عهدها بدأت عادة 'تسيير المحمل' في كل عام من 'مصر' إلي 'الحجاز' في موسم الحج، يحمل كسوة الكعبة، والمؤن، والأموال لأهل البيت الحرام، تصحبه فرقة كبيرة من الجيش المصري لحماية الحجاج.
امرأة، هي 'شجرة الدر' فعلت الكثير لمصر، وللمسلمين، فماذا فعل حكام الأمة، الذين اجتمعوا، وانفضوا دون أن يخلفوا أثرًا، أو يحققوا هدفًا.. كانت 'امرأة.. بقمة'.. بل 'امرأة.. بأمة'!!