الثلاثاء، 5 مارس 2013

 ماذا يحدث داخل جبهة الإنقاذ؟



تهاني تركي ونسمة سمير
عندما تم الإعلان عن تشكيل جبهة الانقاذ الوطني التي تضم كافة القوي السياسية المعارضة حكم الإخوان وهيمنة الجماعة علي مفاصل الدولة المصرية استبشرنا خيرا، فهذا الكيان ضم شخصيات لها ثقلها ووزنها وتاريخها ورصيدها في الشارع المصري، فهناك الدكتور محمد البرادعي مؤسس حزب الدستور، وعمرو موسي عن حزب المؤتمر، وحمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي والحاصل علي المركز الثالث في الجولة الاولي من الانتخابات البرلمانية، والدكتور محمد أبو الغار، وعبد الغفار شكر مؤسس التحالف الشعبي الاشتراكي وغيرهم من الشخصيات البارزة علي الساحة السياسية، وممثلي أحد عشر حزبا هي الوفد والمصري الديمقراطي الاجتماعي والدستور والتجمع والكرامة والتحالف الشعبي ومصر الحرية والتيار الشعبي والمصريين الاحرار والاشتراكي المصري والمساواة والتنمية.
هذا الكيان الذي تجمعت فيه القوي المعارضة التيار الديني والذي اكتسب قوة منذ تشكيله شيئا فشيئا من خلال مواقفه الصريحة والمعلنة والقوية في مواجهة انفراد جماعة الإخوان بالحكم، والذي اعتبر القوة التي تقيس من خلالها مؤسسة الرئاسة مدي نجاحها أو فشلها في إدارة التوافق الوطني، هذه القوة تواجه الآن حالة من الخلاف الداخلي المحتدم بين أطرافها الرئيسة والذي اتضح جليا في غياب المرشح الرئاسي حمدين صباحي عن اجتماعاتها مؤخرا علي خلفية عدم الرضا عن بعض مواقف قيادات الجبهة، وكذلك مانشر عن إعلان المتحدث الرسمي باسمها الاعلامي حسين عبد الغني عن استقالته، ثم العودة لنفي نبأ الاستقالة.
الاختلاف في الرأي داخل جبهة الانقاذ كان ومازال هو سيد الموقف، قد ترتفع وتيرته حينا وتخبو أحايين أخري لكن يبقي ان هناك تباينًا في الرؤي، ولكن الي أي مدي يمكن أن يؤثر هذا التباين في اللحمة التي ميزت هذا الكيان؟
الاجابة عن هذا التساؤل لاشك اننا سنجد الاجابة عنها اذا عدنا إلي خلفية تكوين جبهة الانقاذ الوطني والبدايات الاولي لتشكيله، فقد جاء تكوين الجبهة علي خلفية تصاعد وتيرة الاختلافات حول كتابة الدستور وانسحاب عدد من ممثلي القوي المدنية من الجمعية التأسيسية وتحديدا في 18نوفمبر2012عندما ألقي عمرو موسي المرشح الرئاسي السابق بيانا في ختام اجتماع بحزب الوفد ضم عددا من ممثلي الاحزاب والقوي السياسية، أعلن فيه عن تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني، غير أن الظهور القوي للجبهة برز عقب صدور الاعلان الدستوري في 22نوفمبر والذي أسهم بشكل كبير في تعميق هوة الخلاف بين جماعة الإخوان وباقي القوي السياسية التي تقف علي الطرف الاخر، وكانت الاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت تباعا في شتي ميادين مصر تؤكد وتبرهن علي حالة الغليان التي انعكست بشكل قوي في تجمع جبهة الانقاذ وفي وحدة صفه في مواجهة هيمنة جماعة الاخوان.
لقد كان ومازال الوقوف ضد سيطرة فصيل سياسي واحد دون باقي الفصائل، هو الهدف الاسمي علي جدول أعمال جبهة الانقاذ الذي جمع تيارات سياسية متباينة مابين ليبرالية واشتراكية، غير أن هذا التباين الايديولوجي قد ينشأ عنه في بعض الاحيان اختلاف في الرؤي حول التعامل مع المواقف المختلفة، وهو ما يترجم وجود أنباء عن وجود خلافات داخل جبهة الانقاذ مابين الحين والآخر.
ولعل لقاء الدكتور محمد البرادعي المنسق العام للجبهة والسيد البدوي مع الدكتور سعد الكتاتني، والذي تم مؤخرا في منزل البرادعي، قد فتح الباب علي مصراعيه للكثير من التأويلات عن وجود انقسام بين أعضاء الجبهة في التعامل مع موضوع انتخابات مجلس النواب، إضافة إلي غياب التنسيق السياسي بين أطرافها، خاصة مع وجود تسريبات بوجود أزمة مكتومة بين أعضاء الجبهة انعكست بإجراء هذا اللقاء بحضور أطراف وغياب الاخري، إضافة الي عدم التشاور مع باقي أعضاء الجبهة، فيما برر الجانب المؤيد للقاء الامر بأنه لقاء شخصي وليس تمثيلا للجبهة.
والمعلوم لكل الاطراف ذات الصلة بالتيار الشعبي انه ومنذ فترة طويلة، يواجه ضغوطا متزايدة من الشباب لعدم مشاركة حزب المؤتمر برئاسة عمرو موسي، في انتخابات النواب علي القائمة نفسها، باعتباره من الفلول، وهو مادعا النائب السابق محمد البدرشيني الي انتقاد حمدين صباحي علي موافقته علي الاستمرار في مشاركة موسي دون الالتفات لأصوات الشباب التي ترفض اسلوب المواءمات السياسية وتعلي الحالة الثورية.
وحول قضية الانتخابات البرلمانية التي دعا الرئيس لإجرائها في 27 من شهر ابريل المقبل، كانت هناك تسريبات بوجود خلافات بين اعضائها حول المشاركة من عدمه، وقال محمد أبو الغار القيادي بالجبهة إن الجبهة مازالت تتشاور بشأن مشاركتها في الانتخابات أو مقاطعتها بسبب تجاهل الرئاسة لمطالبها، ومازلنا نصر علي مطالبنا الشرعية بالقصاص للقتلي في الاحداث الاخيرة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية محايدة لإدارة العملية الانتخابية لضمان نزاهتها.
غير أن الموقف من انتخابات النواب قد عكس تضاربا واضحا بين أعضاء الجبهة انعكس في تصريحاتهم المتضاربة، ففي الوقت الذي أعلن فيه أمينها العام أحمد البرعي رفض الجبهة المشاركة في الانتخابات، قال الدكتور محمد ابو الغار إن هذا التصريح هو رأي شخصي لايمثل جبهة الانقاذ، وقيل ان هناك فريقين داخل الجبهة أحدهما يؤيد خوض الانتخابات حتي في حال عدم تحقيق جميع المطالب ويتزعمه عمرو موسي وحزب الوفد، وفريق أخر هو الاشد ضراوة يرفض أي مفاوضات قبل تحقيق تلك المطالب، غير أن الجبهة أعلنت رسميا رفضها دعوة الرئيس للاقتراع في انتخابات مجلس النواب، وأكد خالد داود المتحدث الاعلامي أن الجبهة تعتبر قرار الرئيس المصري كارثيا ويدفع البلاد نحو الهاوية.
وكان طرح فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، هو الآخر محل جدل بين أعضاء الجبهة ففي الوقت الذي كشف فيه عمرو موسي رئيس حزب المؤتمر عن وجود خلافات حول إكمال الرئيس لولايته، حيث يري البرادعي وموسي ضرورة بقاء الرئيس في منصبه، أكد حمدين صباحي ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو مافتح الباب أمام تراشق إعلامي بين موسي وصباحي، قبل أن يتم احتواء الموقف بين الطرفين.
وبعد تزايد أعمال العنف التي انتشرت في البلاد عقب إصدار الإعلان الدستوري الذي منح صلاحيات مطلقة للرئيس وحصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشوري وأقال النائب العام، دعت مؤسسة الرئاسة في خطوة ومحاولة منها لتجاهل الآراء المعارضة لها إلي ماسمي الحوار الوطني، وهو مارفضت جبهة الانقاذ المشاركة فيه الا بأسس تبدأ بإقالة الحكومة الحالية حتي تكون الانتخابات البرلمانية القادمة في مناخ سياسي حيادي يسمح بالتنافسية، وطالبت باختيار نائب عام جديد يتفق مع قواعد استقلال القضاء ونصوص الدستور، مع ضرورة تشكيل لجنة قانونية محايدة لمراجعة الدستور وطرح التعديلات علي الاستفتاء الشعبي.
وفيما يتعلق بالاستفتاء علي الدستور الذي أجري في 15ديسمبر أعلنت الجبهة مشاركتها في الاستفتاء ودعت الشعب المصري إلي التصويت بـ 'لا'، وكانت قضية إعداد الدستور قد أخذت وقتا طويلا من النقاش والسجال واحتدام الخلاف، واعترضت جبهة الانقاذ علي كثير من المواد التي تضمنها الدستور وطالبت بضرورة مراجعة هذه المواد، إلا أن الجمعية التأسيسية برئاسة المستشار حسام الغرياني قد ضربت عرض الحائط بكل الانتقادات الموجهة للدستور، وعجلت بشكل غريب التصويت علي المواد وجميعنا شاهدنا عبر أجهزة الاعلام كيف أن أعضاء هذه اللجنة قد قضوا يوما كاملا قبل الانتهاء من عملية التصويت وكأنهم في سباق مع الزمن، في مشهد هزلي ذكرنا بالتلميذ الذي أدركه الوقت ولم يحصل من دروسه شيئا فانكب علي كتبه ليلة الامتحان لعل وعسي.
وقد عمق اعتماد الرئيس للدستور والدعوة للاستفتاء عليه من هوة الخلاف بين مؤسسة الرئاسة وجبهة الانقاذ التي اعتبرته دستورا معيبا لايتفق وطموحات الشعب المصري بعد ثورة 25يناير، وطالبت بضرورة تأجيل الاستفتاء علي الدستور لمدة شهرين وإجراء حوار توافقي، وهو مالم يحدث بالطبع فلم تتم الاستجابة لاي من مطالبها، وتعددت الآراء وقتها حول المشاركة من عدمه في التصويت، وتباينت آراء أعضاء الجبهة مابين المشاركة والمقاطعة حتي استقر الأمر علي القرار الموحد للجبهة والتي أكدت المشاركة والتصويت بالرفض.
الاجابة عن سؤال مستقبل جبهة الانقاذ كانت علي لسان عدد من اعضائها حيث أكدت هبة ياسين المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي، ان التيار لن يشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة حتي وإن شاركت بها جبهة الانقاذ، وعللت مقاطعة التيار الشعبي للانتخابات بعدم تقديم الرئاسة أي ضمانات تمهد لوجود حوار جاد لمصلحة الوطن، وانتخابات نزيهة، لكن التيار الشعبي سيدعم باقي القوي السياسية في الانتخابات.
واستنكرت 'ياسين' استمرار النظام في سفك دماء الشعب وتعذيب الثوار وإهانتهم وسحلهم في الشوارع، وعدم اتخاذ أي قرارات رادعة لعنف الداخلية تجاه المتظاهرين، كما أن الصندوق ليس المعبر عن الديمقراطية كما يقولون، ولكن المشهد السياسي المرتبك يلقي بظلال من الريبة والتخوف من تزوير الانتخابات، كما كان يحدث في عهد مبارك، ولذلك لابد من تحقيق ضمانات لنزاهة الانتخابات مثل إشراف كامل للقضاء علي الانتخابات وإقالة النائب العام.
وأضافت أن الإخوان مصرون علي خوض الانتخابات لاقتناعهم بأنهم سيحصلون علي أغلبية مقاعد البرلمان، ولكن المشهد الحالي يجعل من الصعب توقع أي شيء، مشيرة إلي أن التيار الشعبي لم ينشق عن الجبهة ومازال مستمر بها ليكمل النضال لاسترداد مطالب الثورة، وسينضم بكل كوادره إلي كافة أشكال المقاومة السلمية ولكن هناك اختلافات أيديولوجية وكانت موجودة منذ البداية.
ومن جانبه نفي حسين عبد الغني المتحدث الرسمي باسم جبهة الانقاذ انه قام بتقديم استقالته من الجبهة، ووصف ماحدث بأنه حملة منظمة بشكل جيد، من قبل اللجان الالكترونية التابعة لجماعة الاخوان لتشويه صورة المعارضة وصورته بشكل خاص، وخداع الشارع بأن الجبهة تتفتت من اجل مصالحها الخاصة وهي حملة مدروسة وممنهجة، مؤكدا انه لن ينشق عن الجبهة مهما حدث ومن المستحيل أن يشوه صورة الرموز الوطنية مثل صباحي والبرادعي، واستنكر نسيان الاخوان دفاع المعارضة عنهم قبل ثورة يناير، والآن يردون الجميل بالنكران والتشويه.
وأضاف 'عبد الغني' أن الجبهة لن تتوقف عن استمرارها في النضال والدفاع عن أهداف الثورة والمطالبة بها، مهما حدث، وإن الخلافات في الرأي الموجودة داخل الجبهة هي امر طبيعي وموجود منذ البداية ولكن جميع الموجودين بالجبهة يجمعهم هدف واحد وهو مصلحة الوطن والدفاع عن حقوق المواطنين البسطاء.
وفي السياق أكد محمود العلايلي، المتحدث الرسمي باسم لجنة الانتخابات بجبهة الانقاذ ان الجبهة متماسكة ولايوجد بها اي انقسامات وما يتردد من كلام عن وجود انقسامات بالجبهة هو مجرد إشاعات واكاذيب من قبل فصيل معين وهم الاخوان هدفه تشويه صورة المعارضة، وإضعافها من أجل مصالحهم الخاصة، مثل اشاعة استقالة حسين عبد الغني التي تم نفيها، مضيفا أنه توجد خلافات بالجبهة في الرأي حول المشاركة في الانتخابات او مقاطعتها ولكنها لن تصل إلي انقسامات او تقديم استقالات، مؤكدا ان الجبهة ستظل متماسكة و مستمرة في طريقها لتحقيق مطالب الثوار والثورة.
ويري 'العلايلي' أن الوضع السياسي المرتبك لا يساعد علي أجراء انتخابات برلمانية في ذلك الوقت، كما لابد من وجود ضمانات لنزاهة العملية الانتخابية، في ظل قانون انتخابات معيب، وأنه رغم إعلان التيار الشعبي مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقبلة، فالجبهة لم تحدد بعد موقفها النهائي من المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها.