الأربعاء، 6 مارس 2013

دفع الثورات العربية للاختيار بين الأنظمة الإسلامية أو العلمنة

بقلم المستشار/ طه حسين ابو ماجد

على شعوب المنطقة مسؤولية الاستعداد لمواجهة هيمنة المشاريع الإسلامية المقنعة، مستغلة الحراك الثوري في بعض الدول.. لأن منطقتنا لاينهضها سوى نظام ديموقراطي عصري متطور..وواجهت الثورات العربية المطالبة بإحلال الديموقراطية والليبرالية في انظمتها بعد إسقاطها (مصر، تونس، ليبيا) فوز التيارات الإسلامية الاصولية كنوع من الحكم الاسلامي الجديد، لتقف طموحاتهم وتتأرجح بين الاختيار للحكم بين الاسلام الاصولي الباكستاني، والسياسي التركي، والقومي او الاسلام الثوري الايراني، في محاولة لدمج الاسلام مع الحداثة رغم اختلاف التطبيق والنهج بين اهم ثلاث دول منتهجة للحكم الاسلامي، فجاء الباكستاني بهوية دينية اسلامية بعد انفصاله عن الهند متبعا في نهجه ودستوره تطبيق الشريعة ودعمه للأحزاب الراديكالية الاسلامية، ورعايته المنظمات الاصولية المتطرفة في افغانستان (حرب الشيشان) وفي حرب اميركا على «القاعدة»، مما يؤشر الى انهيار نظامها بسبب الحرب المذهبية، وانقلاب هذه الاحزاب الممولة سابقاً من النظام ضده للاستئثار بالسلطة وبمواجهته للدول الكبرى (روسيا، أميركا، اوروبا) المستنفرة للقضاء عليها وحماية النظام بمساوئه، خوف حصولها على السلاح النووي المهدد لكل دول المنطقة!
أما على الصعيد التركي (الاسلام السياسي) فنجحت سياستا اوغلو - اردوغان الخارجية والداخلية في التوفيق بين النظام الديموقراطي والشعب المسلم بمختلف قومياته واثنياته العرقية، حتى اصبحت تركيا مثالاً يقتدى به في «ربيع الثورات العربية»، لتحقيق الديموقراطية الحقة، من دون التخلي عن معتقدها، وطريقا لتحقيق طموحاتها بدخول الاتحاد الاوروبي من الباب الحواري الثقافي بين تمازج الحضارات، في محافظتها على التوازن بالعلاقات بين دول الجوار العربية والايرانية والروسية، رغم اختلاف توجهاتهم العقائدية وتنافسهم على المواقع الاستراتيجية.
أما بالنسبة الى حكم الاسلام الثوري الايراني الذي اسقط نظام الشاه بعد جنحه من العلمانية نحو الدكتاتورية مهمشا كل القطاعات الاجتماعية بمختلف طبقاتها، مما حقق للخميني الفوز بأكثرية شيعية بمختلف قومياتهم لمناصرته حقوق العمال والاقطاعيين ورجال الدين، محكما انتصاره بتأسيس لنظام حكم الملالي المتحدرين اصلا من سلالات التجار المتحكمين في السوق الاقتصادي الإيراني، كذلك باحتوائه لكل الصراعات العرقية والقومية تحت شعار اسلامي شيعي يكرسهم مدى الحياة، وبانتهاجه حكما دستوريا اسلاميا ضمن ديموقراطية اسلامية برلمانية، تستظل بولاية متوارثة بين الفقهاء (ولاية الفقيه) بمجلس يختار الأكفأ من بينهم، حيث استطاعوا تنمية اقتصادهم باعتمادهم على النفط وتواصلهم الإنمائي مع دول الجوار، إلا ان استبدالهم للطاقة ببنائهم للمفاعلات النووية زعزع علاقاتهم بدول الخليج التي اعتبرتها احياء خطة توسعية للامبراطورية الفارسية على اراضيها وطمعا في ثرواتها الطبيعية النفطية، وتهديدهم لإقفال مضيق هرمز واعلانهم ازالة اسرائيل من الوجود، كل ذلك جعل الدول الكبرى تتحرك جديا امام تحدياتهم بفرض العقوبات الاقتصادية على ايران وتأخير برنامجها التنموي الاقتصادي والنووي، مما دفعها الى تشكيل محور اسلامي عراقي - سوري، باستقواء روسي حماية لنظامها، الأمر الذي سيقوّض نظام الملالي بعد الانهيار الاقتصادي وتهميشه للقوميات والاقليات والاثنيات، وهو السبب نفسه لاسقاطه لنظام الشاه، ان لم يسرع في الاصلاحات بــ «دمقرطة» العملية الاجتماعية والسياسية، والحد من سلطات آية الله بانتخاب رئيس ليبرالي منفتح لاحتواء الوطن ككل باتفاقيات سياسية واقتصادية مع العرب والغرب، تشجعهم على الاستثمار بمشاريع ناهضة لتحديث إيران بعد قبولها بأطر يحددها المجتمع الدولي لبرنامجها النووي او ستعرض نفسها لتقسيمات عرقية وقومية ودينية وثورات ربيعية تقض مضجع الحكم بثورات اصلاحية، بدل ان تكون قدوة لثورات ربيعية فشلت في احقاق ديموقراطية وليبرالية لتخبطها القبلي في صراعها على الحكم مع تيارات اصولية (ليبيا، سوريا، اليمن، مصر، تونس).إذاً، على شعوب المنطقة مواجهة خطر هيمنة المشاريع الاسلامية المنغلقة لتقويضها الديموقراطية والعلمانية والعيش المشترك مع الطوائف الاخرى، وحتى لا ترضخ لأنظمة الاسلام الثوري والاصولي او السياسي التركي، رغم نجاحه بعلمانيته في فصله الدين عن الدولة، إلا أن اجيالنا بحاجة كي تنهض لنظام متطور وراقٍ لمعاصرة الدول الحضارية!