السبت، 19 أكتوبر 2013

الفنان مصطفى جاب الله وسيمفونية الحجر 

 

تقرير / هانم صبره

قلائل هم من يهبهم الخالق عز وجل الموهبة وسواءً كانت هذه الموهبة مسموعة أو مقروءة أو مرئية فهى عادة ما تترك أعظم الأثر فى نفس صاحبها وما يحيط به من الأماكن والأشخاص ، ونحن الآن أمام موهبة فطرية فذة حباها الله عز وجل بالعديد من العوامل التى ساعدتها على فرض وجودها أمام كل من يراها تلك الموهبة التى نراها فى الفنان الفطرى مصطفى جاب الله ذلك الفنان ابن قرية البهنسا ببنى مزار بالمنيا تلك القرية التى تعتبر من أهم المزارات السياحية بمحافظة المنيا لما لها من تاريخ حضارى وفنى بالإضافة إلى المقومات الطبيعية التى جعلتها فى مكان الصدارة لدى محبى الفن وعشاقه ، هذا إلى جانب المقومات الاجتماعية وما تحمله من عادات وتقاليد كان لها اكبر الأثر فى تلك الموهبة الفطرية التى تفجرت بها طاقات الفنان مصطفى جاب الله ذلك الفنان الذى اتخذ من الحجر كتاباً له ، سطر عليه بإزميله ومبرده أجمل القصص واروع الحكايات وهى حكايات وقصص متنوعة منها الشعبى ومنها الحضارى الذى تأثر فيه تأثراً بالغاً بالحضارة المصرية القديمة التى تتضح معالمها على أغلب أعماله
وكالمعتاد فى بلدنا هذا أن يأتى تقدير الفنان بعد وفاته ، فعند زيارتى للفنان مصطفى جاب الله بصحبة كلا من الفنان \ فتحى ادريس والفنان ابو الفتوح مساعد الذى كان ذاهبا لإجراء حوار معه عن فنه لاحظنا جميعا مدى إهدار تلك الموهبة التى أفنت نفسها فى خدمة العمل الثقافى وبعد خروجه للمعاش أصبح فى طى النسيان يعانى قسوة الحياة وصلفها وبعد ان كانت ورشة العمل الخاصة بأعماله دائماً مفتوحة الأبواب وجدناها مقفلة نهائياً وكأنها خرجت
هى الأخرى للمعاش واصبحت كماً مهملاً بعد أن كانت تعج بالحياة من خلال رنين الازاميل وصوت المبارد والطرقات على سطح الحجر بيد الفنان مصطفى جاب الله الذى يعيش حالة من اليأس بعد إهمال الدولة له فى هذ العمر المتأخر والذى يشكو فيه قسوة العيش وضعف المعاش الذى لا يكفى قوت يومه هو واولاده واحفاده فهو رب أسرة كبيرة فيها ما يزيد على العشرين حفيد لستة من الذكور غير الإناث فهو يحاول جاهدا بيع أعماله بأبخس الاسعار احيانا ومتجاهلا وضع اسمه عليها احيانا أخرى لبيعها بثمن اكبر قليلا ليجد قوت يومه ومع كل ذلك وعندما سألته عما يبغيه ويتمناه لنفسه قبل يديه وقال الحمد لله (مش عايز حاجة ) ولكنى اريد من وزير الآثار بعد ما حدث فى متحف ملوى من سرقة ونهب والتى استغلها البعض باسم الثورة، أن يجعل لكل تمثال بطاقة رقم قومى ويجعل لكل منطقة أثرية سجل مدنى يسجل فيه تواريخ كل قطعة اثرية ويتم توثيقها بالكامل ، وعند الاستفسار عما إذا كانت هذه الموهبة موجودة عند احد من الاولاد أو الأحفاد علمت من احد ابنائه الكبار انه ورث الموهبة عن والده حيث كان يساعده ويراقبه منذ الصغر وعن السؤال عن اعماله ذكر انه يقوم ببيعها من وقت لآخر لانها مصدر رزقه هو واولاده فهو لا يجد وظيفة وما يقوم به مجرد (لقمة عيش ) فالحياة صعبة عليه وعلى أولاده وعندما ذكرت له هل عندك استعداد تعلم تلك الموهبة للشباب من أهل البلد لو توفر مكان؟؟ فرحب بذلك على الفور وذكر أن والده الفنان مصطفى سوف يقوم هو ايضا بذلك فهو يحب تلك الموهبة لدرجة انه كان يقضى فيها ساعات اليوم دون كلل او ملل ... وهذه بالطبع صفة الفنان الحقيقى الذى يقضى الساعات الطوال امام أعماله الفنية دون الإحساس بالتعب او الملل ..ومن هنا أوجه نداء إلى كل مسئول عن الفن والثقافة فى مصر وكل مسئول فى مكانه هل هناك من يهتم بتلك الموهبة الفذه قبل أن توارى تحت الثرى ولا نجد منها إلا حكايات وحواديت نتسامر بها فى رحلاتنا أو على موائد العشاء وحفلات السمر؟؟ هل هناك من يهتم بتنمية الشباب فى قرية البهنسا على يد تلك المواهب التى لا تقدر بثمن والتى قلما يجود الزمان بها ؟
وهل تجد تلك الموهبة من يمد لها يد العون للمساعدة على حياة كريمة لها ولأسرتها وهل يمكن وضع الفنان مصطفى جاب الله على الخريطة السياحية لمحافظة المنيا لأنه يعتبر علم من أعلام فن النحت على الاحجار، تلك الحجار التى حولها لسيمفونية من القصص والحكايات الشعبية ....